شهدت الأمسية التي نظمها نادي القصة في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الأربعاء 9/3/2011 في الشارقة حول الكاتب الأوروغواياني (إدواردو غاليانو) نقاشاً مستفيضاً حول العلاقة بين الأدب والإيديولوجيا، ثم حول مفهوم القصة وحدودها وإمكانية تحررها من بعض الشروط التقليدية وانطلاقها في فضاء الكتابة المفتوحة المتاخمة لأجناس أدبية أخرى كالقصيدة أو الخاطرة أو سواهما..
وكان الدافع إلى هذه النقاشات مجموعة نصوص ترجمها عن الإسبانية وقرأها الصحفي والمترجم الفلسطيني باسل أبو حمدة من كتاب (مرايا: تاريخ شبه كوني) لغاليانو، وهي نصوص تضافرت في تكوينها عناصر مختلفة كالميثولوجيا والتاريخ والطبيعة والتحليل النفسي، مع حرص شديد على التكثيف، لذلك جاءت النصوص شديدة القصر، لكنها مع ذلك مكتنزة بالدلالات.
وفي ورقة نقدية ختم بها أبو حمدة الأمسية نقل عن غاليانو قوله: "هذه القصص مرتبطة بإنكار حق الشعور الوطني على الناس في جنوب العالم، واحتكار الروح الوطنية من قبل الشمال، وكل ذلك باسم حرية تجور كما قال نيتشة، لأن المساواة في الحقوق بين الفقير والغني، بين الضعيف والقوي هي مساواة تشكل في نهاية المطاف حالة من حالات عدم المساواة، أو بالأحرى تعمم أو تضاعف الظلم".
ويضيف غاليانو: "أنا أتكلم عن هذا الأمر ليس بعبارات إيديولوجية، وإنما من خلال قصص حصلت بالفعل". وكانت هذه العبارة دافعاً لنقاش مطول شهدته الأمسية حول الموقف الإيديولوجي لغاليانو التقدمي اليساري المناهض لكل أشكال الهيمنة الاستعمارية، وتجليات هذا الموقف في أدبه، وبالذات في النصوص التي قرئت في الأمسية، باعتبار أن هذه النصوص عالجت قضايا عامة ذات طابع إنساني كالعلاقة بين المرأة والرجل، وتاريخ الجنس البشري، ورحلة البحث عن الحقيقة التي لم تتوقف منذ وعى الإنسان وجوده. وأجاب أبو حمدة بأن الإيديولوجيا هنا يجب فهمها بمعناها الواسع المفتوح الذي يتجاوز الدلالة السياسية أو الحزبية.
أما فيما يتصل بهوية هذه النصوص فذكر أبو حمدة أن غاليانو لا يسمي ما كتبه قصصاً بل حكايات، وهي في الأصل مواد أدبية كان ينشرها في الصحافة ثم جمعها في كتاب، تماماً كما فعل كتاب كثر قبله وبعده، ومنهم على سبيل المثال محمود درويش في الأدب العربي.
يقول غاليانو في نص بعنوان (من الرغبة نحن):
"الحياة، بلا اسم، بلا ذاكرة، كانت وحيدة. كان لها يدان، لكن لم يكن لديها من تلمسه. كان لها فم، لكن لم يكن لديها من تتكلم معه. الحياة كانت واحدة، وكونها كانت كذلك، فإنها لم تكن أية حياة.
الرغبة أطلقت قوسها إذاً. وسهم الرغبة قسم الحياة بالنصف إلى فسطاطين، وأصبحت الحياة اثنين.
الاثنان التقيا وضحكا. كانت رؤيتهما بعضهما بعضاً تدفعهما إلى الضحك وملامسة بعضهما بعضاً أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق